7/5/2012 عن صحيفة "هافنغتون بوست" الأمريكية
بقلم: السفير رون بروسور، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة.
تحتفل الأمم المتحدة هذا الأسبوع بيوم اللاجئ العالمي، وهو حملة حافلة بالنجوم تستخدم فيها الوسائط المتعددة تهدف إلى زيادة الوعي بالمأزق الذي يعيشه اللاجئون. وقد أعد المشاهير أمثال أنجلينا جولي مقاطع فيديوية سيتم بثها على التلفزيونات ونشرها على الشبكات الاجتماعية، كما سيشارك الملايين في مناسبات تمتد على خمس قارات تتراوح بين الحفلات الموسيقية في لندن ومهرجان الأفلام في بيروت إلى سباق للدراجات الهوائية في الإكوادور. على أن ذكر مجموعة واحدة من اللاجئين سيبرز غيابه عن أي من هذه المناسبات، وهو ال 850,000 يهودي الذين تم طردهم من البلدان العربية خلال العقود الستة الماضية، إذ يبقى تاريخهم من أكبر قصص القرن العشرين غير المحكية.
بلغ عدد اليهود الذين كانوا يعيشون في البلدان العربية عند انتهاء الحرب العالمية الثانية 850,000 نسمة. أما اليوم فلم يبق سوى 8500 يهودي. ولم يكن رحيلهم وليد الصدفة، فبعد فشل القادة العرب في إبادة إسرائيل عسكريا عام 1948، أقدموا على شن حرب قوامها الإرهاب والتحريض والطرد بهدف القضاء على الطوائف اليهودية القديمة التي كانت تقيم في بلدانهم.
ففي العراق، اعتقل رجل الأعمال اليهودي شفيق عدس، والذي كان يعتبر أثرى شخص في البلاد، بشكل فوري بتهم مختلقة، وتم تسليمه للغوغاء التي قتلته بعد تعذيبه، ثم تلت ذلك سلسلة من التفجيرات في المؤسسات اليهودية والاعتقالات الاعتباطية للشخصيات القيادية اليهودية وقيام الحكومة بمصادرة أملاك اليهود على نطاق واسع. وخلال سنوات معدودة كان جميع أبناء الطائفة اليهودية العراقية التي عاد تاريخها إلى 2500 سنة قد هربت من البلاد، ما فرّغها من أشهر فنانيها ومطربيها وعازفيها وكبار تجارها.
وتكرر هذا المشهد في أنحاء المنطقة بأسرها، من مصر إلى سوريا فليبيا فاليمن، حيث قام السكان، وبمباركة حكوماتهم، بارتكاب المجازر بحق اليهود، ليذبح الأبرياء وتهدم الكنس العتيقة، بل والمقابر اليهودية. ومنعت قوانين جديدة غاية في القسوة والتشدد اليهود من العبادة في الأماكن العامة، كما أجبرتهم على حمل بطاقات هوية مميزة، بالإضافة إلى وضع اليد على ممتلكات وأصول يهودية بقيمة مليارات الدولارات. وقد بلغت المساحة الإجمالية للأراضي المصادرة من اليهود في البلدان العربية ما يقارب ال 105,500 ألف كيلومتر مربع، وهو ما يعادل خمسة أضعاف مساحة دولة إسرائيل.
وقد هاجرت الأغلبية الساحقة من اللاجئين اليهود إلى إسرائيل، ليتضاعف عدد سكانها مرتين تقريبا. ودخل معظمهم أرض اللبن والعسل بلا لبن ولا عسل، ولكنهم استقبلوا بالترحاب حيث منحوا كامل حقوق المواطنة وكانت تنتظرهم برامج طموحة لدمجهم في المجتمع الإسرائيلي، وارتقت نسبة منهم إلى أعلى مستويات السلم الاجتماعي.
ومرت السنون، ولكن الغبن الذي لحق بهؤلاء اللاجئين لا يزال قائما، إذ بقي الكثيرون حول العالم صامتين مسلّمين فيما الحكومات العربية تسعى لمحو ما حل بهم من الذاكرة.
على أن هذا التحريف التأريخي لا يتمثل في أي مكان بشكل أوضح مما يتمثل به في أروقة الأمم المتحدة، حيث يستقطب اللاجئون الفلسطينيون سنة بعد سنة من الاهتمام والموارد في الأمم المتحدة أكثر مما تستقطبه بريتني سبيرز في مؤتمر لمصوري الباباراتسي. ولكن لا كلمة ولا حتى مقطع من كلمة يمكن العثور عليه حول اللاجئين اليهود المطرودين من البلدان العربية في أي من ال 1088 قرارا المتخذة من الأمم المتحدة حول الشرق الأوسط، أو ضمن ال 172 قرارا المتخذة حول اللاجئين الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي وجد فيه القادة العرب في الأمم المتحدة ملاذا يلجئون إليه من الواقع، فإنهم عاجزون عن تجنب تبعات الاضطهاد الديني والطائفي والتحريض والعنف داخل أوطانهم، حيث يستمر نظام الأسد العلوي على أنقاض الأحياء اليهودية السابقة في مدينة حلب، في قمع الانتفاضة السنية بكل وحشية. وفي مصر تحرق الغوغاء الكنائس القبطية المسيحية بنفس الأسلوب التي كانت اعتدت به على الكنس اليهودية قبل سنوات. أما في بغداد، حيث كان اليهود فيما مضى يمثلون ثلثا من عدد السكان، فيبقى السنة والشيعة محرضين بعض على بعض بعد سنوات من سفك الدماء.
إن صنع مستقبل سلمي في الشرق الأوسط سيلزم الحكومات العربية بتعلم دروس الماضي أخيرا، وبناء مجتمعات متكاملة تحمي الأقليات وتعرض على الجميع مقعدا على طاولة اتخاذ القرارات.
وستأتي الخطوات الأولى نحو التعددية الحقيقية حين تقر السلطات العربية بتاريخ الاضطهاد وعدم التسامح في بلدانها هي، ويجدر به أن يبدأ بإخراج ال 850,000 قصة غير محكية لليهود المطرودين من بيوتهم العتيقة من حيث هي مدفونة.
من الضروري الاعتراف بالوجود اليهودي التاريخي في العالم العربي، ومن الواجب الإقرار بالظلم الشديد اللاحق بهم وإصلاح ما خربته الجرائم المرتكبة بحقهم.